1/15/2025 3:09:23 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
طه العامري
حين يترجل (وطن)..؟! كتب/طه العامري..
12/3/2022
رحل الأديب والمفكر والناقد والكاتب والإنسان.. رحل الدكتور عبد العزيز المقالح عن دنيانا غير اسف بناء بعد عقود من العشق والهيام قضاها في حب اليمن الأرض والإنسان والحلم والتطلعات، رحل من كان لليمن عنوان وللابداع إيقونة، رحل من عرف أدباء الوطن العربي والعالم اليمن من خلاله وبه وبحروفه التي كانت بمثابة قناديل تنير لنا والأجيال والعالم الطريق نحو اليمن..هذا البلد الذي عرفه العالم من خلال (المقالح) و(البردو ني) و(باكثير) و(المحضار) و (الفضول) وآخرين من المبدعين الذين جعلوا من حروفهم نوافذ أطل من خلالها العالم لهذا الوطن وتعرفوا على حضاراته وموروثه الثقافي والتاريخي وقيمه وأخلاقياته الإنسانية. كثيرون من رموز الأدب العربي و العالمي قدموا إلى صنعاء هذه المدينة التي اتخذها الراحل محرابا له ليلتقوا الراحل ويعرفوا منه أسرار هذه البلاد وعظمة تراثها الحضاري والتاريخي فقد كان_ رحمه الله_ بمثابة المكتبة المتحركة والارشيف الذي يختزل في ذاكرته حكاية وقصة وطن اسمه اليمن، تماما كما كان رفيقه في الإبداع عبد الله البردوني المبصر في بلاد العميان مصدرا للإشعاع الثقافي والفكري والإبداعي.. رحل الدكتور عبد العزيز المقالح عن دنيانا لكنه رحيل الجسد لتبقى حروفه ومفرداته وموروثه الفكري والثقافي قناديل تضيء للحالمين طريقهم نحو وطن عاش الراحل يتغزل به طيلة حياته. رحل عاشق الوطن والأمة والحالم بمجدهما، رحل من اتخذ من صنعاء محرابا قضى عمره فيه يتعبد ويتهجد ويرتل آيات العزة والكرامة والشموخ ويترجم احلام شعب عبر مفردات صاغها بحبر الآماني وسمفونية الأحلام المترعة من حناجر البسطاء وتضاريس الوطن. رحل من قال : (يوماً تغنـي فـي منـافينـا القـدر: ( لا بد مـن صنعاء وإن طال السفر ) لا بد منهـا .. حـبنـا .. أشواقهـا: تدوي حـوالينا : إلـى أيـن المفـر؟ إنـا حملنـا حزنـهـا وجراحـهـا تحـت الجفون فأورقت وازكى الثمـر وبكـل مقهـى قـد شربنـا دمعهـا الله مــا أحلـى الدمـوع ومـا أمـر).. وهو القائل : ( للـحـب فــوق رمالـهـا طـلـل مـن حولهـا نبـكـي ونحتـفـل نقشته كف الشوق فـي دمنـا.. وطوتـه فـي أعماقنـا المـقـل هـو حلمنـا البـاقـي ومعبـدنـا.. وصلاتـنـا والـحـب والـغـزل مـن أجلـهـا تصـفـو مودتـنـا.. ولحـبـهـا نـشـقـى ونـقـتـتـل شـابـت مآسـيـنـا وفرحـتـنـا.. وتمزقـت فـي دربهـا الــدول وشبابهـا الريـان مـا برحـت.. أزهـــاره تـنــدى وتـكـتـمـل صنعـاء يـا أنشـودة عبـقـت.. وأجــاد فــي إنشـادهـا الأزل إن أبعدتنـي عـنـك عاصـفـة.. وفـرقـت مــا بينـنـا الـسـبـل فأنـا علـى حبـي وفـي خجـل.. روحـي إلـى عينيـك تبتـهـل ألـقـاك منتـصـرا ومنكـسـرا.. وعلى جنـاح الشعـر أرتحـل يجتاحنـي شـوق ويسحقـنـي.. شـوق وفـي التذكـار أشتعـل..) وهو الذي ذاب حبا وهام عشقا بوطنه وبشعبه وأمته وهويته الوطنية والقومية فكان المبدع المرهف والعاشق المتفاني والمبدع المتألق والمتجدد دوما، فكان الهامة الاستثنائية في قائمة المبدعين وربان سفينة التنوير والتجديد والحداثة، ولما لا وهو الأديب والشاعر والناقد والمفكر والمثقف الاجتماعي المشتبك، والحامل لهموم الأمة وتطلعات واحلام اجيالها، كما كان المربي والسياسي الذي جعل من مفردات الشعر وأعمدة القصيدة وحروفها نوافذ يعبر من خلالها عن تطلعات واحلام بسطاء الوطن والأمة الحالمين بالعدالة والاستقرار والمواطنة المتساوية.. رعى اجيالا من الشباب وقدم خدماته لكل من أتى إليه أملا ٓ في مساعدته.. ( وطــن الـنـهـار ومـعـبـد الـزمــن.. أنـــا عـائــدٌ لأراك يـــا وطــنــي " صنعـاء " تدعونـي مواسمـهـا.. وعواصـف الأشــواق تعصـرنـي أنا أنـتَ فـي حزنـي وفـي فرحـي.. أنا أنت في صحوي وفـي وسنـي حـاولــت أن أنـســاك فانـطـفـأت.. طـرق الهـوى فـي سائـر الـمـدنِ وعـلـى ثـــراك الـــروح هـائـمـةٌ.. لا تخشَ : ليس هنا سوى البـدنِ حـمـلـتـك أشــجــاراً وأضــرحــةَ.. عيـنـي فـلـم تهـجـع ولـــم تـهــنِ ورحـلـتَ فــي الأجـفـان سـاهـرةً.. هـل أنـت فـي الأحـلام تذكرنـي ؟..) هي بعض من حروف المقالح التي ستبقى حاضرة في تجاويف القلب والذاكرة.. ستبقى رغم رحيل المقالح الجسد وسيبقى المقالح الفكر والحرف والكلمة والموقف. أن مثل المقالح لا يرحلون وان ماتوا سيظلون أحياء خالدون يعيشون بيننا وسنظل نغترف من مأثرهم وينابيعهم الفكرية والثقافية والأدبية كل ما نحتاجه من مقومات الوعي وزاد التنوير.. نعم هناك هامات وقامات سامقة تبقى حاضرة وخالدة وان رحلت باجسادها، فيما هناك راحلون واموات وان كانوا عائيشين بيننا.. لقد رحل بجسده عنا من قال ذات يوم :(سنظل نحفر في الجدار، إما نفتح ثغرة للنور أو نهلك على هذا الجدار..) وقد استطاعت حروف المقالح أن تفتح أبواب للنور فدخلت أشعة الحرية ولكن..؟ شأت الأقدار أن تجبر رائد الحرف والكلمة وحامل مشعل التنوير، وبسبب انتهازية الساسة وفسادهم وعبثهم واستهتارهم أن تدفع قامة أدبية بحجم ومكانة راحلنا وفقيدنا أن يسطر بحبر القهر والفاجعة حروفا موجعة، حروفا أبكتنا واحزنتنا واشعرتنا بمرارة القهر الذي استوطن هذا الهامة الأدبية حين سطر ملحمته واعترافه ونشر مرثية رثاء فيها نفسه قبل عام من رحيله وقال (أعلنت اليأس) : ( أنا هالكٌ حتماً فما الداعي إلى تأجيل موتي جسدي يشيخُ ومثله لغتي وصوتي ذهبَ الذين أحبهم وفقدتُ أسئلتي ووقتي أنا سائرٌ وسط القبورِ أفرُّ من صمتي لصمتي. * * * أبكي فتضحكُ من بكائي دورُ العبادةِ والملاهي وأمّدُ كفي للسماء تقولُ : رفقاً يا إلهي الخلقُ – كل الخلق – من بشرٍ ، ومن طيـرٍ ومن شجرٍ تكاثر حزنْهم واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ – من آهٍ ..لآه * * * حاولتُ ألاَّ أرتدي يأسي وأبدوا مطمئناً بين أعدائي وصحبي لكنني لما رحلتُ إلى دواخلهم عرفتُ بأنهم مثلي وأن اليأس ينهشُ كل قلبِ . أعلنتُ يأسي للجميع وقلتُ إني لن اخبـي . * * * هذا زمان للتعاسة ِ والكآبةْ . لم يترك الشيطانُ فيهِ مساحةً للضوء أو وقتاً لتذكار المحبةِ والصبابةْ . أيامهُ مغبرّةُ وسماؤُه مغبرّةُ ورياحه السوداء تعصف بالرؤؤس العاليات وتزدري التاريخ تهزاء بالكتابةْ . * * * أنا ليس لي وطنٌ أفاخر باسمهِ وأقول حين أراه: فليحيا الوطنْ . وطني هو الكلماتُ والذكرى وبعضٌ من مرارات الشجنْ باعوه للمستثمرين وللصوص وللحروبِ ومشت على أشلائهِ زمرُ المناصب والمذاهب والفتن . * * * صنعاء … يا بيتاً قديماً ساكناً في الروح يا تاريخنا المجروح والمرسوم في وجه النوافذ والحجارة أخشى عليك من القريب ودونما سببٍ أخاف عليك منكِ ومن صراعات الإمارةْ. .. وداعا دكتور عبد العزيز.. فأنت الوحيد الباقي فينا ولن تموت وان رحلت عنا بجسدك.. فأنت وطنا يا سيدي والوطن قد يترجل وقد يكبو وقد يعاني من عبث العابثين.. لكن الأوطان لا تموت بل تبقى حية وخالدة خلود الزمن والجغرافية.. وانت خالدا فينا بما تركت لنا من موروث فكري وثقافي.. ameritaha@gmail.com