1/15/2025 2:45:23 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
طه العامري
اليمن ومسلسل التحديات الوجودية..؟! كتب/طه العامري..
12/28/2022
( 1) كثيرة هي التساؤلات التي تطفح من الذاكرة تبحث عن إجابات مقنعة لكل ما يعصف بالذاكرة والخارطة الوطنية، وعن نهاية لكل ما يجري وشكل هذه النهاية أن توفرت وتوصل إليها أطراف الصراع وصناع الأزمة التي جاءت هذه المرة مختلفة عن كل ما سبقها من أزمات شهدتها البلاد خلال العقود الماضية، من حيث الدوافع والأسباب والغايات، وكذا من حيث الخطاب السياسي المرادف للأزمة ومفرداته الثقافية والفكرية الأكثر غرابة من حيث تطرفها في إلغاء الآخر الوطني والتنكر لهويته ومحاولة كل طرف إجتثاث الآخر من الذاكرة والوجود..؟! سابقا عرفت اليمن أحداث سياسية وخصومات واحتراب وصراعات دموية، غير أن كل ذلك كان ينتهي بالتوافق تارة أو بترحيل الاحداث عبر تفاهم عقلاء البلاد ومرجعياتها والرموز المؤثرة فيها أو من خلال التدخلات العربية، فيما الأحداث كانت تدار من قبل الترويكا النخبوية النافذة على الخارطة الوطنية بمعزل عن الشعب الذي كان يجد نفسه في حالة ذهول عند كل حادثة دامية تحل بالوطن دون أن يكون جزءا أصيلا فيها وان كان لا يخفي انحيازه الصامت لهذا الطرف أو ذاك، غير أن ذلك الانحياز لم يدفع بالجموع الشعبية لأن تصبح جزءا من وقود تلك الأحداث.. بل كانت هذه الجموع تحبس مشاعرها وقناعتها في ذاتها الوجدانية وتقبل نتائج تلك الأحداث مهما كانت مؤلمة..! غير أن أحداث اليوم تختلف شكلا وموضوعا عن كل ما سبقها من أحداث، أحداث اليوم خرجت بفعل الشحن الثقافي والفكري وبفعل مفردات الخطاب السياسي الذي اعتمده أطراف الصراع عن نطاق المتصارعين ليشمل كل المكونات والطبقات الشعبية والشرائح الاجتماعية التي وزعت ولائها وقناعتها بين أطراف الصراع وهناك من ذهب بعيدا في التعبير عن قناعته ورغباته بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي يضع الوطن والشعب بكل مقوماتهما الوجودية على( كف عفريت) كما يقال وبيد مجموعات لا ترى في الوطن وطنا بل منجما تبحث فيه عن مصالحها وإشباع رغباتها (المذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية)، هذه المجموعات لن تتردد في تقزيم الوطن وتمزيق النسيج الاجتماعي في سبيل الانتصار لاهدافها وتحقيق مصالحها الذاتية..؟! والمؤسف أن الغالبية الصامته عاجزة في التعبير عن ذاتها غارقة في أزماتها اليومية التي اغرقها فيها المتصارعين ولم يعد هنا المواطن الغلبان يبحث أو يفكر بوطن بقدر ما انحصرت اهتماماته في البحث عن (راتب أو بعضا منه) والانهماك حتى الانشغال والتفرغ في البحث عن (دبة الغار ودبة البنزين، وكيس الدقيق وقطمة الرز والسكر) وكيفية تدبير (إيجار البيت ومتطلبات الأطفال)..؟! ليذهب البعض متظاهرا بحماسه مع هذا أو ذاك ليس حبا به أو إقتناعا بمواقفه وخطابه وسلوكه، بل حبا في تأمين متطلبات الحياة اليومية وبما يمكنه وأطفاله في البقاء على قيد الحياة..؟! حالة استلاب بلغت حد التيه يعيشها الشعب اليمني علي خلفية الأحداث التي تشهدها البلاد، فيما المتصارعين يتمترسون على تخوم مصالحهم رافعين شعار (نكون أو لانكون) مؤمنين حد اليقين أن من لا يفرض شروطه على الآخر اليوم فإنه لن يتمكن من فرضها بعد ذلك مطلقا..!! وفي سبيل تحقيق هذه الغايات يذهب كل طرف بعيدا في تثبيت وتأكيد حضوره واحقيته مستخدما كل الوسائل ومرسخا على الواقع الممكن والمستحيل من كل ما يثبت وجوده ويجسد احقيته و (سيادته) كي يثبت للآخر إنه الأولى والأحق في السيطرة وبسط النفوذ وان الآخر لا مكان له ولا وجود..؟! ( 2) بغض النظر عن تاريخ ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 م الذي عرفه وعاشه أجدادنا في هذه البلاد في ظل طغيان عهود الأئمة المتعاقبة، فإن صراع ما بعد الثورة تميز بدوافعه الوطنية والرغبة في حياة الحرية والعدالة والكرامة والمواطنة المتساوية في كنف دولة النظام والقانون، ولأجل هذه الأهداف النبيلة دفع الشعب اليمني خيرة وانبل أبنائه وأكثرهم اخلاصا لهذا الوطن رغم ما رافق صراع ما بعد الثورة من مفاهيم (طائفية) مثل (ملكي وجمهوري) وان كانت الغالبية الشعبية قد انحازت بنخبها وجمهورها للصف (الجمهوري) ضد بقايا فلول عشاق الظلام وبعض المحاور الخارجية التي تؤمن بفكرة (أن تقدمها مرهون بتخلف اليمن) وان استقرارها مرهون ببقاء اليمن في حالة دائمة من عدم الاستقرار، والمؤسف أن هذه المحاور الخارجية وجدت في الداخل اليمني نخب انتهازية ارتهنت لها مقابل (المال) وراحت تشكل لنفسها ترويكا داخلية وتمكنت من أحكام سيطرتها على المصير الوطني وتداعياته، مستغلة الدعم الخارجي ماديا ومعنويا ووظفته داخليا في سبيل الانتصار لاهدافها، هذه الترويكا لم تتردد في لحظات شعورها بالخطر من المشروع الوطني الشامل، فسارعت في توظيف الهوية المذهبية (زيدي) و (شافعي) غير أن هذا المفهوم كان يستوطن الرموز النخبوية في الترويكا النافذة على المشهد الوطني، إذ وحين ذهبت رموز الترويكا القبلية ترسخ فكرة الاصطفاف القبلي (الزيدي) في مواجهة (الشوافع) الذين كانوا قد تجاوزوا هذه المفاهيم ببزوع فجر 26 سبتمبر 1962 م وتبنت نخبهم وبحماس فكرة الثورة والجمهورية والدولة والحرية والأنعتاق من كل براثن الماضي وادرانه متجاوزين مرجعياتهم المشائخية والاجتماعية رافعين شعارات التقدم والمساواة، مصنفين طبقات المجتمع بين (تقدمي) و (رجعي) لدرجة ان النخب التعزية وتحت شعار الثورة والتحولات التقدمية راحت تستهدف رموزها ومرجعياتها مؤمنة بأن ثقافة ما قبل 1962 م قد ولت واندثرت، مدفوعين بتجردهم من النوازع الطائفية والمذهبية وقناعتهم بواحدية الهوية والمواطنة، وهو ما لم يكن في حسابات الترويكا القبلية النافذة التي اضطرت لكشف بعض أوراقها في إحداث نوفمبر 1967 م ثم جاءت أحداث أغسطس 1968 م لتسقط الأقنعة عن هذه الترويكا التي كان يقودها الشيخ عبد الله الأحمر وبعض الرموز القبلية الملتفة حوله وبدعم ورعاية كاملة من أسرة (أل سعود) التي كانت حريصة على نظام الإمامة ليس حبا برموزه بل نكاية بالشعب اليمني حتى أن ملك السعودية فيصل وحين دخل عليه مدير مكتبه يبلغه بأن اليمن أعلنت الجمهورية رد على مدير مكتبه بقوله (الله يلعن الجمهورية ويلعن تعز)..؟! كانت بعض الرموز الوجاهية التعزية وهي قلة صغيرة بالمناسبة وكانت معروفة بارتباطها بنظام ما قبل الثورة، قد التقت مصالحها مع بعض الرموز القبلية في صنعاء ووقفت ضد النخب السياسية والفكرية التعزية وكانت هذه الرموز حاضرة في انقلاب ٥ نوفمبر 1967م، ولكنها اضطرت لتعديل مواقفها بعد أحداث أغسطس وتعاملت مع شركائها من رموز القبيلة بنفس منطقهم وبقدر من الندية متمسكين بحقهم في الشراكة وتقاسم النفوذ، ومع ذلك لم تقبل الترويكا القبلية هذا السلوك من رموز ووجهاء تعز فعملوا على التخلص منهم..؟! ما أود قوله إن ثقافة الصراع التي تبنتها الأطراف السياسية والوجاهية والاجتماعية اليمنية في إحداث ما قبل عام 2011م تختلف كليا وجذريا عن ثقافة برزت في خطاب هذه الأطراف بعد عام 2011 م، فقبل هذا العام كانت كل الثقافة القاصرة والممزقة للوعي والذاكرة الجمعية الوطنية محصورة في نطاق النخب، لكنها بعد عام 2011م صارت ثقافة شعبية تستوطن وجدان وذاكرة المجتمع الذي يعيش اليوم حالة تيه وتمزق نسيجه الاجتماعي وتبخرت من ذاكرته قيم الهوية والانتماء، وصارت النوازع (الذاتية) هي الطاغية في السلوك الفردي، وتستوطن وجدان المواطن البسيط قبل النخب الثقافية والفكرية التي تعيش بدورها في حالة يأس وإحباط وتعاني من عقدة الشعور بالانكسار والهزيمة أمام لوبيات النفوذ ورعاة (العمالة والأرتزاق) التي سيطرت على المشهد الوطني حتى عام 2011م..؟! لقد اوصلتنا والوطن ترويكا العمالة والأرتزاق إلى ما نحن عليه اليوم والوطن على خلفيات سلسلة أحداث وتداعيات خاضتها النخب اليمنية ضد بعضها بفعل المؤثرات والرغبات الخارجية ولم تكن النخب السياسية والثقافية التي كانت وقودا لحركة التغير الاجتماعي وتحولاته وتقود المشروع الوطني _المفترض _تحقيقه من الانتصار لخياراتها وأهدافها في إحداث التغيير وبناء الدولة وترسيخ مقومات الاستقرار الاجتماعي، كل هذه الأحلام التي كانت محل الإجماع الشعبي تبخرت وتساقطت من الذاكرة كأوراق الخريف.. اليوم ثقافة الصراع أشد خطورة وأكثر إيلاما وتستوطن تجاويف الذاكرة الفردية اليمنية وهي عنوان التكتلات الكرتونية التي تعبر عن نفسها بقوة السلاح على الخارطة اليمنية التي تتجه نحو ما هوا أسوأ وأبشع واقبح من (البلقنة) و(الصوملة) و (اللبننة) وان كان اديبنا الراحل الاستاذ عبد الله البردوني _قدس الله سره _قد بشرنا ذات يوم خلال لقاء جمعنا بنائب الرئيس علي سالم البيض قبل اندلاع حرب 1994م بأن ثمة( اربع خرائط موجوده لتقسيم اليمن) وقالها حرفيا للنائب وان هذه الخرائط موجوده في (غرفتي نوم الرئيس والنائب)..!! أزمة اليوم وثقافة المتصارعين لاشك انها عملت على تطوير هذه الرغبات وضاعفت من إعداد هذه الخرائط..؟! يتبع