12/11/2024 4:09:42 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
طه العامري
(المعاناة) كيف تولد (الإبداع)..؟!
7/12/2024
(المعاناة) كيف تولد (الإبداع)..؟! طه العامري.. ترسخت في الذاكرة مقولة (المعاناة تولد الإبداع) وأستوطنت وجدان الغالبية وأصبحت بمثابة القول المأثور الذي يعزي به البعض أنفسهم من (ميلة بختهم) على رأي اخواننا في مصر المحروسة، مقولة تتماهي مع مقولات أخرى ذات طابع (ديني) وفلسفي واجتماعي وكلها تؤدي رسالة اجتماعية وتخدر الوعي الجمعي بهدف إقناعه بالحياة التي يعيشها وبالواقع الذي يعيش فيه وضروفه الحياتية والاجتماعية..! شخصيا لست على إقتناع بهذه المقولة ولا بأي مقولة وأن كانت مأثورة وأيا كان طابعها (دينيا، أو فلسفيا، أو أجتماعيا) طالما وهي تحض وتحرض من يعاني على تحمل معاناته والتسليم بها باعتبارها قدر كتبه الله عليه، فالظلم _مثلا _ليس قدرا كتبه الله عليك وعلى المظلوم القبول به باعتباره قدر الله عليه، فالله سبحانه وتعالي لا يقبل بالظلم ونهى عنه وتوعد الظالمين بأسوي العقاب، وجعل أبوابه مفتوحة لكل مظلوم ودعوة المظلوم تصل إليه أسرع من حسنات المحسنين، إذ ليس بين الله وبين دعوة المظلوم حجاب. ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم)، صدق الله العظيم.. إستثناء إلاهي منح للمظلوم الذي وحده من يحق له الدفاع عن مظلوميته وان ( جهر بالسوء من القول) فلا تثريب عليه..! هذا كلام الله خالقنا الذي ينهي عن الظلم، والمعاناة هي شكل من أشكال الظلم الاجتماعي، إذا كيف تكون المعاناة مولدة للإبداع..؟! أن شعور الإنسان المبدع أيا كان مجال إبداعه يأتي غالبا تجسيدا لتداعيات الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا المبدع وتعبيرا عن مشاعر الناس والبيئة التي يعيشون فيها والمبدع هناء ليس سوي الِمرآة التي يرى فيها صورهم وحقيقة واقعهم الاجتماعي الذي يعيشون فيه من خلا قصة أو رواية أو قصيدة أو اغنية أو لوحة أو منحوته، أو مقال في صحيفة أو مجلة، وكلها أعمال إبداعية تنقل واقع اجتماعي بصورة عمل يختزل فيه المبدع معاناة الواقع واهله وقضاياهم الحياتية اليومية بطريقة أدبية منظمة وهذا هو الإبداع الذي نجده في ادب (البردوني، والمقالح، والفضول، والصريمي، وعبد الولي،) والكثير من الأدباء والشعراء والفنانين الذين بدورهم ترجموا هذه الأعمال الإبداعية الي اغاني ومسرحيات، ومسلسلات وأفلام. هؤلاء المبدعين ترجموا في إبدعاتهم معاناة شعب ووطن، لم تكون معاناتهم دافعا لإبداعهم، بل واقعهم الاجتماعي المتخلف وتفشي مظاهر الظلم والقهر والتسلط والطغيان وغياب الحريات، وهي ظواهر دفعت هؤلاء المبدعين الي التعبير عنها من خلال اعمالهم، وكما يلتقط المصور صورة بعدسته عن مدينة ماء وشارع ماء، ووثق حالة المكان بالصورة، وثق آخرين حالة المجتمع من خلال إبداعاتهم الأدبية والفكرية المتنوعة رافضين بالمطلق لكل الظواهر السلبية التي تسبب المعاناة الاجتماعية للغالبية من الناس،فكان المبدع ولايزل بمثابة حامل مشعل التنوير مهمته تنوير الوعي الجمعي لحقوق مكتسبة صادرها منهم بدون وجه حق من فرضوا أنفسهم ظلما أوصياء على الوطن والمواطن. أعود واقول ان (المعاناة لا تولد الإبداع) بل تولد القهر والظلم والتبلد والتسليم بالأمر الواقع بكل ظواهره السلبية، وتولد ظواهر الإرتهان والتبعية والخذلان والخوف وقد يجد المبدع نفسه اسيرا للحاجة، خاصة إذا أصبح (رغيف الخبز) هو الهدف وتأمينه هو الغاية التي تستوطن وجدان الغالبية الاجتماعية، ويصبح الوطن هو هذا (الرغيف) ومحور اهتمام الناس في مجتمع أصبح الظلم هواء يتنفسه المجتمع ويكتوي بسياطه، حيث يصبح الظلم متعدد المقاسات والدرجات والمراتب، بدء من ظلم رب الأسرة لأسرته، وظلم الجار لجاره، وظلم ( العاقل) لأهل حارته وظلم (مأمور القسم) للعاقل، وظلم القاضي للمتقاضيين لديه وانحيازه لطرف ضد اخر، وظلم الشيخ لقبيلته، وظلم الحكومة للشيخ، و لموظفيها، وظلم الموظف لمن براجعوه من الناس، وظلم التاجر لعماله، وظلم الدولة للحكومة، و صولا إلى (ظلم الحاكم) لكل هؤلاء باعتباره الجالس على ( هرم السلطة) وإليه تتجه أنظار الجميع..!! أن المعاناة تولدها ( السلطة الظالمة) والإبداع هو نقيض المعاناة وهو من يكشفها ويفضح أدواتها و يترجمها من ظاهرة اجتماعية الي أعمال إبداعية تجسد مراحل التحولات الاجتماعية لأي مجتمع بهدف تنوير المجتمع وتوجيهه نحو أهدافه في الحرية والعدالة والمساواة والتقدم الاجتماعي،لكن إذا انحازا المبدع الي جهة ماء في المجتمع لم يعود مبدعا بل يصبح بوقا لهذه الجهة وخصما للمجتمع وجزءا من معاناته المركبة، وهناء يفقد المبدع رسالته في رفع المعاناة عن الناس ويصبح جزءا من المشكلة وهذا ما أصبحنا نعيشه ونعاني منه في بلاد (الحكمة والإيمان)..؟! 12 يوليو 2024م