1/15/2025 2:50:23 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
طه العامري
الفن حين يصبح غذاء الروح.. كتب /طه العامري..
12/24/2024
الفن حين يصبح غذاء الروح.. طه العامري.. 1 كثيرة هي أنماط الفنون الإبداعية التي تعطي الإنسان طاقة روحية وتفاؤل بالغد الأفضل والأمل القادم على أجنحة الأحلام أيا كانت هذه الأحلام عصية على التحقيق لكن ثمة إبداع فني يجعل التفاؤل ممكنا بتحقيق الحلم ويعطي النفس متسعا لتقبل تحديات الحياة مهما كانت هذه التحديات تبدو عصية على القهر.. شخصيا احب كل أشكال الفنون التي ليس فيها إثم ولا ذنب ولا جريمة يقع فيها عاشق هذه الفنون الا لدى أولئك المعقدين الذين يحملون قلوب داكنة في السواد ونفوسهم تجدها وكأنها قطع من ليل بهيم..! اعترف ان نفسي تشربت بإبداعات سيدة الغناء العربي أم كلثوم وذابت باغاني عبد الحليم، وفريد، ومارسيل وتشبعت بفن وابداع أبو عرب شاعر وفنان الثورة الفلسطينية، غير اني اجد نفسي ليس مجرد عاشقا للفنانيين الفاضلين الاستاذ أيوب طارش والأستاذ عبد الباسط، عملاقين ابداعيين انجبتهما منطقة الأعبوس _حيفان _محافظة تعز، بل أجد نفسي مدمنا لفنهما الذي لم يقف عند نطاق (الرفاهية والترفيه) بل حمل فنهما وابداعهما الفني رسالة اجتماعية واخلاقية ووطنية ودينية ، فشكلا معا ثنائيا إبداعيا لن نجد لهما نظيرا بل يستحيل أن يتكرران هاذان المبدعان العملاقان اللذان اعطيا الأرض والإنسان وعلى مختلف طبقات المجتمع وتنوع القيم المجتمعية زادا إبداعيا وفنا راقيا وقدما للوطن والمجتمع ملاحم إبداعية تمزج بين التوجيه والوعظ والإرشاد وتعزيز القيم الروحية والاخلاقية لم يقدم مثلها عتاولة رموز الكراهية والحقد الذين امتهنوا زراعة الفتن وتظليل الوعي وتحويل الحياة الي رحلة بؤس وشقاء وقهر بأسم الدين وكأن دين الله مجرد من قيم الرحمة والمحبة والتسامح والحب مع أن الله رحمة والله حب وتسامح وسمؤ وسيدنا رسول الله يمنحنا بسيرته وسنته متسعا للترفيه وهو من ارسله الله رحمة للعالمين، وداعيا بأمر ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. أن من يقف ضد الفن تحت أي مبرر هو إنسان مجرد من المشاعر والأحاسيس أيا كانت مكانته وفن العملاقان أيوب وعبد الباسط هو إبداع يعكس معاناة إلانسان في بلادي ويعبر عن أحلام و تطلعات البسطاء وبقالب فني رائع والحان تخاطب العقول والقلوب والمشاعر ينقلون التحولات الاجتماعية بكل ابعادها ويقدمون صورة واقعية عن كل معاناة المجتمع بطريقة يعجز عن الاتيان بمثلها أولئك الذين يبثون سمومهم من على المنابر ويقدمون دين الله وكأنه دين (العقاب) الذي لا حدود له ويرون الحب حرام والمشاعر جريمة والعواطف الإنسانية رجسا من عمل الشيطان..؟ * الفن حين يصبح غذاء الروح.. 2 على مدى أربعين عاما أنهمكت في الكتابة السياسية غير اني اعتقد أن هذه الكتابة تجبرني قهرا وقسرا _اليوم _الابتعاد عنها لبعض الوقت حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويطلع فجر المرحلة الذي سيبدد قتامة اللحظة وطنيا وقوميا، وعليه قررت أن أتناول جانب مهم من أهم جوانب حياتنا وهو الجانب الفني والإبداعي الذي ابدعه عمالقة الفن والأدب في بلادنا وأخص بالذكر هنا الاستاذين الفاضلين أيوب طارش وعبد الباسط عبسي وسأتناول هنا إبداع الاستاذ عبد الباسط الذي اتحفنا بانغام وكلمات نحتت في وجداننا والذاكرة، أنغام أبدعها بلبلنا الشادي ومنها تعلمنا حب الأرض والأسرة وحب الوطن، أنغام علمتنا الكثير من القيم والأخلاقيات ونقلت حقيقة واقعنا في الريف والمدينة كما نقلت معاناة الفلاح والعامل والموظف والطالب والإنسان اليمني في كل جغرافية الوطن.. وقدمت لنا وللأجيال توثيق متكامل عن مراحل تحولات نا الاجتماعية والسياسية والثقافية وتطورنا الحضاري.. أغاني اتحفنا بها استاذنا عبد الباسط تعلمنا منها كيفية مقاومة القهر والظلم والتعسف والاستبداد، كما علمتنا كيف نحب، وكيف نتمسك بقيمنا، وكيف نحافظ على ترابطنا الاسري، ونتمسك باخلاقياتنا، وأن نقاوم الظلم بالحب حينا وبالثورة احيانا، وهنا أجدني أقف أمام اغنية (وراعية) من كلمات الاستاذ سلطان الصريمي _شفاه الله واطال بعمره _والحان وغناء الاستاذ عبد الباسط وفيها ما يمكن اعتباره دعوة صريحة للمظلومين ليثوروا ضد الظلم، هذه الأغنية ورغم سنوات عمرها غير إنها لاتزل تجسد واقعا نعيشه _اليوم _ وتحاكي كلماتها معاناة شعب لايزل يعيش تحت راية القهر والحاجة والاستبداد..! لست ناقدا فنيا ولا متخصص في الكتابة الفنية لكن أجد نفسي ومنذ تفتق فكري اسيرا لأنغام وأغاني الاستاذين أيوب وعبد الباسط وأذوب عشقا في اغانيهما كلمات ولحن وأداء ومعهما اعيش في لحظات أفراحي وأحزاني ومعهما أجد نفسي طائرة مع انغامهما بغض النظر أن كنت اعيش لحظات الفرح أو لحظات الحزن. الأساتذة أيوب وعبد الباسط عبسي لم يقف فنهما وأبداعهما في نطاق الإبداع الفني، بل معهم نقلونا إلى عالم التصوف عن طريق الفن، من خلال أبداعهما الفني الذي تعلمنا منه حب الله والرسول وحب العدل والزهد والحرية وحب الوطن الأرض والإنسان، علمونا كيف نرتبط بالقرية والريف الذي خرجنا منه، وعلمونا كيف نحافظ على جذورنا مهما بلغت مكانتنا في المدينة، وعلمونا أن التطور والتقدم وصخب المدينة وحياة الرفاهية في المدن يجب أن لا تنسينا جذورنا الريفية، وكما تغزلت أنغامهم بالوطن والحرية والعدالة، نقلوا بأمانة كل معاناة الريف وضروفه ومعاناة أهله وقدموها بانغام شجية ساحرة نالت إعجاب المهتمين في الأدب التراثي الإنساني نموذج اغنية أو ملحمة (مسعود هجر) للكاتب الاستاذ سلطان الصريمي التي لحنها وغناها فنانا المبدع الاستاذ عبد الباسط عبسي التي استعرضت معاناة المرأة الريفية، ومرارة حياتها اليومية وهجرة الحبيب طلبا للرزق في بلاد الغربة، هذه الملحمة التي عكست حروفها معاناة المرإة اليمنية وقدمت صورة كاملة عن حياتها والواقع الذي تعيشه.. أغنية اجدني كلما اسمعها اتذكر (أمي) ونسوان قريتي ومعاناتهن من فراق احبابهن في بلدان المهجر، واتذكر حين كان والدي يعمل ( طبل، أو جمال) ينقل الرسائل من أهالي القرية إلى احبابهم في المدينة وينقل من المدينة رسائل إلى القرية وكنت متخصص بكتابة الرسائل لنساء وأهالي قريتي إلى احبابهم في المدينة ولا أزل اتذكر مشاهد الدموع وهي تذرف من عيون بعض النسوة زوجات وامهات وهن يملين لي كلمات الشوق والعتاب والأمنيات من الله بأن يوفقهم ويعيدهم سالمين غانمين، حتى تمكنت من استيعاب مشاعر وأشواق تلك الأسر واشتهرت في القرية باني احسن من يخط الرسائل للمغتربين، واعبر لهم عن مشاعر اسرهم، حتى صرت أجيد صياغة الرسائل أن كانت من الزوجة لزوجها أو من الام لابنها، أو من الوالد لولده، لدرجة لم أكن احتاج أن أسأل من أصحاب الرسالة الي ما يتعلق بالمعلومات المهمة المراد تدوينها فيما التعبير عن الاشواق كنت أسطرها بطريقة تسعد المرسل والمتلقي. اغاني الاستاذ عبد الباسط حتى اليوم كلما اسمعها تعيد ذاكرتي لذلك الزمن و حيث اكون تعيدنا إلى جذوري وأن بخيالي وافكاري ومشاعري، إنها الزاد الذي يروي الحنين ويقوي النفس على مواجهة تحديات الحاضر وتداعياته. * الفن حين يصبح غذاء الروح.. 3 ألف المفكر الإسلامي "محمد قطب" كتابا تحت عنوان "منهج الفن الإسلامي" حاول أن يطرح أسسا لنظرية إسلامية في مجال الفن، وقد اعتبر في كتابه ( أن الفن الإسلامي ليس هو الذي يتحدث عن حقائق العقيدة مبلورة في صورة فلسفية، ولا هو مجموعة من الحكم والمواعظ والإرشادات، وإنما هو أشمل من ذلك وأوسع، إنه التعبير الجميل عن حقائق الوجود من زاوية التصور) واعتبر أن كل الفنون الإنسانية التي أنهمك الإنسان في إبداعها وجعلها جزءا من حياته اليومية بما فيها الموسيقى والغناء والشعر والسينما والمسرح وكل المخرجات الفنية تعد جزءا أصيلا من الوجود الإنساني وهي كذلك في حياة الإنسان المسلم، طالما وهذه الفنون متصلة بالوعي الجمعي وتقوم بتأدية مهمتها في ترسيخ الوعي الجمعي للمجتمع وتساهم في تطويره وتقدمه الحضاري وتزرع قيم الحب والمؤدة والتألف في أوساط المجتمعات وتكرس في نفوسهم كل مقومات الأمل والتفاؤل مهما كانت قتامة الحياة قاسية. ويمكن القول وفق هذا السياق أن ما قدمه عمالقة الفن اليمني الأساتذة الافاضل أيوب طارش وعبد الباسط عبسي من أعمال إبداعية تندرج تحت وصف المفكر محمد قطب ناهيكم أن الفنون بكل أشكالها ومدارسها تندرج في سياق التطور الحضاري للشعوب والشعب الذي لا يؤمن بالفنون لا يمكن أن يكون له علاقة بالتقدم والتطورات الحضارية بعيدا عن تفسيرات بعض الأصوات النشاز التي ترى في الفنون ( عدوا يجب مقاومته) وتحريمه خوفا من تأثير هذا الجانب على الوعي الجمعي الذي يريد منه البعض أن يبقى محصورا تحت سيطرتهم وهم بهذا السلوك يجترون أثر ( كهنة وأحبار بني إسرائيل) الذين أحتكروا لأنفسهم كل المعارف الدينية والدنيوية للمتاجرة والابتزاز وإصرارهم على تجهيل العامة وإبقائهم في دائرة التبعية لهم. في هذه التناولة سأقف أمام ملحمة ثورية ونضالية هي اغنية (وراعية) التي اتحفنا بها استاذنا عبد الباسط عبسي من كلمات الاستاذ سلطان الصريمي_ والتي سبق أن أشرت إليها في تناولة سابقة ولكن دون توضيح _ إذ يجد المستمع نفسه يستمع لملحمة ثورية وادبية واجتماعية، ملحمة نقلت معاناة شعب في وطن تنهشه غربان الفساد والقمع والاستبداد والطغيان، أغنية وراعية هي دعوة للثورة ضد حياة الظلم والقهر والتعسف والامتهان، قدمها الثنائي الرائع الاستاذ عبد الباسط والأستاذ سلطان الصريمي في مرحلة تاريخية كانت ولاتزال تلقى بتداعياتها على حياة الناس ورغم مرور عقود على خروج هذه الأغنية إلا أن من ينصت لكلماتها يجدها وكأنها تعبر عن واقع اللحظة الراهنة، ودعونا نقف أمام هذه الرائعة الإبداعية للثنائي الوطني والمناضلان اللذان دفعا ثمن إبداعهما وثمن إنتمائهما الوطني وانحيازهما للبسطاء والمقهورين من أبناء الشعب.. .. وراعية غني وشلي بالدان.. ما تنفع الطاعة ولا التمسكان. وسلمي على نقم وشمسان.. سلام داَمٍ من بتول بهتان.. يا الله.. ما أعظم هذه الاستهلالة التي تحمل تأكيد على أن لا فائدة من طاعة الطغاة ولا جدوى من التمسكان أمامهم، وأن مواقف كهذه لا تنفع مع من جعل الاستبداد والظلم ديدنه.. ورغم حالة القهر ومرارته إلا إن ذلك لم يغفل الأنتماء الوحدوي للمقهور. حسب_ فهمي المتواضع وقد أكون على خطاء_ فأن (الراعية) هي _ تعبير مجازي _استخدمه الشاعر والفنان وتعني (الغالبية المقهورة من أبناء الشعب) الذين عبرت الأغنية عن مظلوميتهم وحالة القهر والبؤس والحاجة التي يعيشها غالبيتهم ، وبلغة بسيطة وسلسلة يفهمها العامة من البسطاء دون تعقيد أو تعالي لغوي وبعيدا عن المفردات المبهمة. ثم تتواصل المظلومية في سرد حياة ومعاناة المقهورين.. وهنا سوف اسرد بقية مقاطع الأغنية ليتأملها القارئ ويستوعب بقية محتوياتها. وراعية أعمى الجفاف بلادي زرعي إيبس ومات ضماء جوادي ودمع المحبوب والمعادي وراح مقتول الهوى فوادي. ... وراعية كلمن حزب وعيد وحزب الجهال وشقر الخد وفرش الديوان وخضب اليد وانا وحبيبي نصطلي ونقهد ... َوراعية دهري زلج بواطل من الغلاء والجوع والمشاكل البئر نزف وجفت السوائل ودمع عيني عالخدود سائل ... وراعية غنيِ وخبري العيد أن الحبيب مهتان وفارغ الأيد يشتي جديد يشتي سخي من الجيد والناس لا منقود ولا مناقيد. تلكم واحدة من الإبداعات الرائعة التي تعكس واقع اجتماعي كان ولايزل وسوف يستمر حتى نلحق بقطار العدالة الاجتماعية.. وهي بذات الوقت دعوة لرفض الظلم وضرورة مقاومته. * الفن حين يصبح غذاء الروح.. 4 ساواصل في هذه _ الحلقة والحلقتان القادمتان_ تناول اغاني الفنان عبد الباسط الذي شكل مع رفيقه الاستاذ سلطان الصريمي ثنائيا متكاملان في المشاعر والتوجه والقناعات ورؤية الواقع الاجتماعي، ولهذا اخذت اغاني الاستاذ عبد الباسط طابعا خاصا ومميزا من حيث القضايا الاجتماعية التي تناولتها اغاني فنانا التي وأن حملت قناعات الشاعر وأفكاره السياسية ورؤيته للواقع الاجتماعي وإنحيازه المطلق والواضح للقاعدة الشعبية التي تتلقى كل تعسفات الاستبداد وتقاليد وأعراف النخب المتحكمة بمجريات الحياة وقوانينها، فجأت تلك القناعات منسجمة حتى التماهي مع قناعات فنانا وبلبلنا الشادي الذي اطربنا بفنه وقدم لنا عبر مسيرته الفنية لوحة فنية متكاملة تحكي اطيافها عن معانات واقعنا وضروفه الاجتماعية وعبر الأغنية نقل لنا الشاعر والفنان كل ما يتعلق بضروفنا الحياتية وخاصة أوضاع أبناء الريف بدرجة أساسية الذين عاشوا مرارة الواقع واكتوت حياتهم بسياطه.. معاناة إلانسان والأرض والطفل والمجتمع ونالت المرأة نصيبا في أهتمام الشاعر والفنان وعبرت عن هذه المعاناة الأغاني التي صدح بها فنانا العملاق والتي توثق مسيرة حياة ورحلة تطور وتحولات اجتماعية وكان اغنية (مسعود هجر) التي جاءت وكأنها حكاية من حكايات ( السيرة الهلالية) التي حملت معاناة المرأة الريفية وقساوتها في ظل حياة الاغتراب التي عنونت حياة أبناء الوطن وخاصة في محافظتي تعز وإب وهما المحافظتين الأكثر معانة من الاغتراب، وأن كانت محافظة تعز هي الأولى في الهجرة والاغنراب حيث كان أبنائها قد قرروا وكنتاج التسلط والتخلف اللذان عنونا حكم الأئمة والجهل والفقر اللذان عما أرجاء المحافظة ريفها والحضر قد دفع أبناء المحافظة الي الهجرة والاغتراب بحثا عن الرزق ورغبة في الارتقاء بواقعهم الاجتماعي وكانت (عدن) بوابة الانطلاق لأبناء تعز نحو بلدان الاغتراب التي امتدت لكل قارات العالم، وقد تحققت فعلا اهدافهم واستطاعوا أن يرتقوا بواقعهم الحياتي والمعيشي والمعرفي ونجحوا بأمتياز في تحسين ضروفهم المالية والعلمية والمعرفية، وكأن لعودتهم فوائد كثيرة أبرزها انهم حملوا مشاعل التنوير والتطور الحضاري في وطنهم، إلا أن لهذا النجاح كان هناك ثمن باهض دفعته أسرهم جراء رحلات الاغتراب. أغنية (مسعود هجر) ليست مجرد اغنية عابرة بل وثيقة اجتماعية حقيقية نقلت لنا وللأجيال والتاريخ صورة واقعية من معاناة المرأة اليمنية التي دفعت ثمن الاغتراب وثمن نجاح الرجال الذي ركبوا أمواج المحيطات في سبيل تحسين أوضاعهم بعد أن أيقنوا إستحالة تحقيق أي تقدم داخل وطن غارق في مستنقع الجهل والفقر والمرض. (مسعود هجر) ملحمة وطنية، واجتماعية وتاريخية لدرجة أن إحدى الجامعات السوفيتية اعتمدها كوثيقة مهمة من الوثائق التي تحكي عن ضروف حقوق المرأة اليمنية ونضالها الوطني.. نعم فالقطاع التجاري _مثلا _الذي برزا وحققه أبناء محافظة تعز جاء أيضا بتضحيات نساء مجهولات من أمهات وزوجات واخوات كابدين مشقة هجرة افراد اسرهن وتولين مهمة القيام بزراعة الأرض ورعاية الأولاد.. غير أن المهم في هذه الملحمة الوثيقة أنها ما كانت لتنال مكانتها من الشهرة لو غناها فنان أخر غير الاستاذ عبد الباسط، وما كانت لتكون بهذه البلاغة والتصوير لو جاءت من شاعر غير الاستاذ سلطان الصريمي، والسبب بسيط أن الشاعر والفنان هما أبناء البيئة التي شهدت الواقعة_ واقصد بالواقعة ظاهرة الهجرة والاغتراب _، ولا أعتقد أن هناك بيت في محافظة تعز لم تعاني نسائها من قساوة إغتراب الأحبة ومرارة الفراق، بل (شخصيا) عرفت الكثير من الأسر في (قريتي) عانت من مرارة فراق الاحباء، ورغم ذلك كان الوفاء ولايزل الذي قدمته المرأة في( ريف تعز) تحديدا مضرب الأمثال للأجيال التالية وفاء يستحيل أن نجده في أجيال اليوم..؟! وهنا أود القول أن في (قريتي الصغيرة) غادرا شقيقان للغربة وكان لدى كل منهما (طفلان أعمارهم تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام) ثم اختفت آثارهما، وصمدت زوجاتهما بوفاء يتجاوز وفاء (السؤال العربي) الذي قيل انه اشتهر بالوفاء لكن وفائه لا يتماهي ولا يضاهي وفاء زوجة وأم في ريف تعز، ورغم إنقطاع أخبارهما إلا أن زوجاتهما ظلتا على العهد منهمكات في تربية أطفالهن والمفاجأة أنهم عادوا ولكن بعد أكثر من نصف قرن من مغادرتهم القرية فهل هناك وفاء أعظم من هذا الوفاء. أعتذر عن الإطالة لكن بجد هذه اللوحة الإبداعية لا يكفيها مقال عابر بل تحتاج ( كتاب) إذا ما رغبنا في تحليل كلماتها وتفسير معانيها والتوقف أمام ما حملته من مفاهيم وقيم تعبر عن معانة المرأة اليمنية ووفائها وقوة صبرها والأعظم أن هذه المرأة واقعيا رغم كل ما عانيته تجد في قلبها متسعا من الحب والتسامح ويكفي أنها وبعد ما سردته لابنها وعمتها من ضروف قاهره تعيشها قالت في الختام : لكن مسامح قد يكون معذور وقد يكون هو الاخير مقهور.. يعني رغم كل ما فيها وما تعيشه أوجدت له في الاخير عذر ومبرر.. وهذا هو الوفاء الذي لا يمكن أن نجده اليوم.. الرحمة والخلود لأمي ولكل الأمهات الصابرات اللاتي ضربن أروع الأمثلة في الوفاء والصبر. إلى كلمات الأغنية : اغنية (مسعود هجر) كلمات :الاستاذ سلطان الصريمي ألحان وغناء الفنان عبد الباسط عبسي وعمتي منو شقول لمسعود بعامنا الأول رزقنا مولود مسعود هجر وخلف المصائب والبعد طال وزادت المتاعب.. .. ..من قلة المصروف وكُثرة الدين بكر مسافر فجر يوم الاثنين وقت الوداع سلم وقال مودع لا تحزني شاشقي سنة وشرجع شفارقك بعد الزواج بأسبوع العين تدمع والفؤاد مؤجوع شذكر الحنا وحمرة الخد شذكر الزفة واليد باليد.. .. واليوم لا مكتوب ولا صدارة وعود خلي كلها خسارة مرت سنين والقلب مسكنه الدود ماحد درى اين الحبيب موجود .. وعمتي كيف البصر لحالي ضاع الشباب وطالت الليالي قوتي القليل من الشقاء مع الناس البسل اكل وجهي وشيب الرأس. .. وعمتي ابني هلك من الجوع الحَب زلج واني مريض مفجوع رك النظر وجرحوا السواعد وكم شكون صبري وكم شجاهد.. .. مقدرش عاد أشقى ولا اقدر أسأب ولا اقدر اتمهر ولا اطحن الحب شهرين مريض محد ظهر يراني يارب تسامح الذي بلاني.. .. أحرقتني لا تبكي يا محمد الموت أفضل للفقير واسعد ابوك نسي الحناء وحمرة الخد واني الوفاء لحدي والموت يشهد ... وصيتي يا ابني تكون شهادة لان ابوك احرمني السعادة لكن مسامح قد يكون معذور وربما هو الاخير مقبور 5 تميزت اغاني الفنان عبد الباسط عبسي بكونها جسدت الحالة الاجتماعية والثقافية والحياة اليومية للغالبية الشعبية، وعكست حالة وعي نضالي بطيف ( بروليتاري) أن _جاز التعبير _ توافق عليه الفنان بالحانه الشجية والشاعر بكلماته السهلة وقدرته التعبيرية في أختزال تداعيات الواقع الاجتماعي رغم اختلاف مراحله.. ويبدو أن قصيدة (نشوان) بما حملت من صور تعبيرية عن واقع اجتماعي تخيم عليه سحب القهر والاستبداد والظلم والهيمنة، والتي جعلت الشاعر بسببها يعيش ردحا من عمره في ( زنزانة الجلاد) دفعته لاحقا للتعبير عن مشاعره الوطنية وأحساسه بالقهر الذي يكتوي بسياطه أبناء وطنه، إلى اعتماد أسلوب درامي لنقل معاناة أبناء شعبه وتصوير مظالمهم وضروفهم الاجتماعية والحياتية بطريقة تجعل (الرقيب _الجلاد) عاجزا عن الإمساك بما يمكن أن يتخذ منه دليل إدانة للثنائي المبدع، وعليه أعتمد الاستاذ سلطان الصريمي في قصائده التي اتحفنا بها بلبل اليمن الشادي الاستاذ عبد الباسط عبسي، نمط شعري لا أقول إنه ياخذ نمط (أبن المقفع) الذي حين كان يستعرض أوضاع الحاكمية في عهده وأحوال العباد يتحدث عن (الغابة وحيواناتها) وكان يلجاء لهذه الأساليب خشية من بطش الحاكم.. الاستاذ سلطان الصريمي أعتمد اسلوب (المقفع) ولكن بطريقة أكثر تقدمية وهي نقل معاناة وضروف البيئية الاجتماعية التي عاشها وأنغمس فيها فترجم تلك المعاناة إلى قصائد شعر تلقفها مبدع أخر لا يقل عن الشاعر إلتصاقا بالبيئة الاجتماعية وهو الفنان والأستاذ والمناضل عبد الباسط عبسي الذي ابتكر لذاته لون غنائي ومدرسة غنائية فأمتزجت كل هذه المكونات من قصيدة ولحن وصوت وجذور إجتماعية مكنت الشاعر من الإبداع في تقديم صور تعبيرية عن واقع اجتماعي عاشه وعائيش أبطاله، وفنان لا يقل عن الشاعر إبداعا وقدرة على ترجمة قضايا اجتماعية عاشها بدوره وعائيش معاناة أبناء بيئته ووطنه. ولنقف على _ سبيل المثال _أمام اغنية غناها الاستاذ عبد الباسط وهي اغنية ( أمر الكوؤس ) من كلمات الاستاذ محمد المقطري وألحان وغناء الفنان عبد الباسط عبسي.. هذه اغنية ناقشت قضية اجتماعية هامة، قضية شاعت في أوساطنا الاجتماعية حتى كادت أن تكون قاعدة وليس إستثناء، الأغنية وضعت أمام الرأي العام وكل الأطياف الاجتماعية أكثر من قضية في آن، فهي تحدثت عن ( غلاء المهور) والمغالاة من قبل الأباء في زواج بناتهم، كما طرحت ( ظاهرة العنوسة)، والظاهرة الثالثة هي قضية طمع بعض الاباء ورغبتهم في تزويج بناتهم للأثرياء حبا بالمال، ولو كان المتقدم الزواج رجل طاعن في السن ولديه أسرة وأولاد وقد تكون الزوجة المطلوبة من قبله في سن أحد أحفاده لايهم بنظره ولا بنظر الأب الذي يهمه كم سيدفع المتقدم لطلب يد ابنته، دون أن يهتم بسنه، أو بهيئته، ولا يهتم بمشاعر واحاسيس ابنته.. هذه الأغنية ظهرت في مرحلة كانت هذه الظاهرة تكاد تكون طاغية في المجتمع، فأحدثت بظهورها وعيا إجتماعيا، لم يتحقق بالتوعيات الرسمية والقرارات الصادرة من سلطات الدولة، ولم تنفع معها ( خطب الجوامع وفتاوي العلماء) لأنه ببساطة كانت الظاهرة منتشرة أكثر في أوساط من يفترض إنهم علماء للأسف، ومسؤليتهم تحتم عليهم _إفتراضا _ محاربة الظاهرة لكنهم للأسف بدلا من محاربتها كرسوها في أوساطهم وحدث أن شهدنا علماء دين تتجاوز أعمارهم الستين عاما وأكثر يرتبطون بفتياة أعمارهن تقل عن العقدين، في ذات الوقت الذي يزوجون فيه بناتهم القاصرات لمن هم في سنهم وحين يعترضهم أحد يكون الجواب سريعا وهو أن سيدنا رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام وعلى آله قد أرتبط بسيدتنا عائشة رضي الله عنها وعمرها (تسع سنوات).. دون التوقف أمام الفارق بينهم وبين سيدنا رسول الله.. واجزم أني شهدت ظاهرة كهذه حين رفض احد الاباء ارتباط ابنته برجل عمره أكبر من عمر والد البنت، فقام أحدهم يذكر الأب بقصة الرسول المصطفى والسيدة عائيشة فرد الأب بقوله : لو جاني رسول الله يطلبها وعمرها خمس سنوات لمددت له يدي موافقا، إنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله، فأين أنتم منه..؟! لا أحد ينكر أن اغاني الاستاذ عبد الباسط حملت في كلماتها وأنغامها وبصوت فنانا المبدع صور البيئة الاجتماعية التي قدم استاذنا كل معاناتها وهمومها وأحلامها بكل أمانة وصدق واخلاص وحب، زارعا في النفوس الأمل بالغد الأتي حتى في تصويره لأسوي الظواهر الحياتية، لم يدع اليأس يستوطن وعي المتلقي بل زرع في نفسه وو جدانه وذاكرته الأمل وطالبه بأن لا يستسلم لليأس ولا يخضع للقهر بل عليه أن يقاوم ويدافع عن أحلامه.. يتبع