5/16/2025 11:00:30 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
نجيب القرن
محاربون خارج العصر: بين قداسة القتال وسقوط الدولة!!
5/12/2025
محاربون خارج العصر: بين قداسة القتال وسقوط الدولة!! بقلم/نجيب القرن في قلب المجتمعات المنهكة بالصراع، لا تزال جماعات الإسلام السياسي تدفع بمحاربيها إلى ميادين القتال، وكأن الحياة لا تستحق أن تُعاش إلا في ظل البندقية، ولا يستقيم الدين إلا على صدى القوارح. هؤلاء المحاربون، لا يعيشون في عصرهم، بل ينتمون إلى فضاء غيبي متعالٍ عن واقع الناس، مغيب عن قوله تعالى: (واستعمركم فيها)، أي جعل عمارة الأرض مهمة إنسانية لا تقل شأنًا عن العبادة والقتال المشروع. ينأى أكثرهم عن بساطة الحياة التي يدّعون الانتماء لها، فهم لم يجربوا السير في شوارع هادئة دون حراسة، أو الجلوس في ركن مقهى لتأمل الموسيقى ورائحة الأذخر، أو الإحساس بجمال السلام. نغمتهم الوحيدة هي الزامل والنشيد، ورائحتهم دخان البارود، لا عبير الطبيعة. لا يبالون بتدمير مقومات الدولة في سبيل تحقيق "نصر معنوي" أو استفزاز خصم، يرددون قوله تعالى: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون)، دون إدراك أن ألم الشعوب يمتد لعقود، ويولد آلاف الفجائع، فيما عدوهم – على فظاعته – قد يملك دواء وخبزًا وتخطيطًا اقتصاديا. يعتقدون أن طريق الجنة لا يُسلك إلا بخيط الدم، لا بسقيا عطشان أو رفع الأذى عن الطريق. الحماس الأعمى لديهم يبرر أي خسائر، حتى لو أودت بحياة الملايين. لا يعترفون بفارق الزمن أو بضرورة التوقيت والإعداد، رغم أن القرآن نفسه وضع مبدأ الاستعداد ضمن شروط النصر: (وأعدّوا لهم ما استطعتم). هزيمتهم لا تُسمى هزيمة، بل "توقف مؤقت"، أما النصر فدائمًا في المتناول حتى لو تهاوت المدن، وجاع الشعب، وتمزق البلد. يعيشون في عالم ثنائي صارم: أبيض وأسود، حق وباطل، نحن وهم، ولا مساحة للألوان الأخرى أو المواقف المركّبة. وحتى في لحظات السلم، لا مجال للمودة مع الخصوم، رغم قوله تعالى: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة)، فالمزلاج مغلق بآيات البراءة، دون تفكر في قوله: (إلا أن تتقوا منهم تقاة)، التي تتيح للضعيف أن يتجنب الصدام حفاظًا على النفس، فكيف إذا كان الشعب كله هو الثمن؟ يتسلحون بعبارة "الثقة بالله"، دون أن يسلكوا أسبابها، ولا يستحضرون موقف ذي القرنين: (فأتبع سببا... آتوني زبر الحديد). فلا اقتصاد، ولا تعليم، ولا بناء مؤسسي، ولا حتى اعتراف بفشل واضح في ميدان الواقع. النقد عندهم خيانة، والحوار مساومة، والتفكير المختلف زندقة. المواطن ليس إلا مريدًا مأمورًا بالتهليل، ممنوعًا من المقارنة أو المراجعة. فإما أن تشيد بهم، أو تُتّهم أنك تخدم العدو. هذه هي بعض معالم الذهنية التي تحكم كثيرًا من المحاربين المؤدلجين، لا سيما داخل جماعات الإسلام السياسي. ومع التأكيد أن التعميم مرفوض، فإن السائد والغالب من السلوك والخطاب يدفع إلى التساؤل الجاد: هل سيجرؤون يومًا على مراجعة مواقفهم؟ هل يمكن أن يُنتجوا مشروع حياة لا مشروع موت؟ هل سيكفون عن العبور إلى الآخرة عبر جسر الدم وحده، ويؤمنون أن عمارة الدنيا باب للجنة كذلك؟ الشعوب لا تحتاج مزيدًا من المحاربين، بل صنّاع حياة.. حكّامًا لا يمرّون كالعابرين في ليل الخراب.