5/17/2025 1:12:29 AM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
طه العامري
"المال والدم... تراجيديا اللحظة وطقوس السقوط"
5/15/2025
"المال والدم... تراجيديا اللحظة وطقوس السقوط" بقلم/طه العامري ثمة علاقة جدلية بين زمكانية الأحداث وتداعياتها، وبين عقليات إدارتها، المجبولة بكل مفردات الاستلاب لوعي المتلقي – الضحية – في سفر التراجيديا الحضارية الراهنة. حدثنا التاريخ عن حكايات وقصص راسبوتين، ومهنيته العالية واحترافيته في نسج المؤامرات، وحياكة تفاصيلها في الغرف المعتمة. كانت له قدرة عجيبة على التلون والتشكل بعدة شخصيات، وتمكّن بدهائه أن يفرض قوانينه ويسوّق فلسفته وطقوسه، في محاكاة غرائز البعض ممّن أدمنوا التسلط. وكما ترسخت فلسفة ميكافيللي – صاحب كتاب "الأمير" – القائل بأن: "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو مبدأ يجمع بين انتهازية السلوك ورغبة التملّك في الأشياء كحق مكتسب، ولو كانت ملكًا للآخرين... فقد ظهر من جمع بين فلسفة ميكافيللي الانتهازية، ونظرية راسبوتين التسلطية، متماثلاً في شخصيته مع الحجاج، الذي جعل من القسوة والطغيان وسيلة لتغطية عقد الشعور بالنقص التي استوطنته. وثمة آخرون اقتفوا أثر شايلوك – المرابي اليهودي في مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير – حيث اعتمد هؤلاء على المال كوسيلة لبلوغ مكانة اجتماعية مرموقة، دون اكتراث لكيفية الحصول عليه، ومن أين أو بأي وسيلة يُجمع. المهم هو الوصول، بأي ثمن. وكثيرون من هؤلاء – بل تكاد الغالبية في واقعنا الوطني والعربي عامة – يعتمدون على المال لتغطية عقد النقص وتجميل صورهم القبيحة، وإن بصورة حافلة بالأطياف السريالية، وخطوطها المتشابكة والمتداخلة والعصية على الفهم والتفسير. هذا الاعتقاد المادي لا يستوطن الأفراد وحدهم، بل يمتد إلى بعض الحكام والأنظمة، ممن يظنون أن المال هو السلاح الأمثل القادر على منحهم مكانة تنسيهم جذورهم وأصولهم. ولدرجة ذلك، يستحضر المتابع لسلوكهم فلسفة الحلاج – شهيد الحق والحقيقة – القائل لأهل زمانه: "أنتم وما تعبدون تحت قدمي". لقد بلغ الحلاج من الزهد واليقين بالله ما جعله يقول: "أنا الله والله أنا". لم يكن في ذلك شرك، بل تجلٍّ للكرامة الإنسانية كما أرادها الله، حين قال في الإنسان: {ولقد كرمنا بني آدم}. لكن، ويا للأسف، أوغل الإنسان في إهانة نفسه حين انجرف وراء ملذاته ورغباته، دون اكتراث للقيم والأخلاقيات التي كان عليه أن يتمسك بها. الحلاج، في زمنه، لم يكن يرى فرقًا كبيرًا بين إنسان ذلك العصر وإنسان اليوم، فكلاهما جعل من المال غاية تهون أمامها القيم، وتسقط المبادئ، ويُباع فيها كل مقدس. فـ شايلوك لم يكن يهوديًا وحده، بل له أتباع ومريدون من كل الأديان والمذاهب والطوائف، من ملحدين وموحدين، وبلاء الدين حين يتحول إلى أداة تبرير وعبودية للمال. المال هنا هو المعبود، والوسيلة لتغطية العيوب النفسية والاجتماعية، و"كهنته" يوزعون على العامة شرعية الطغيان والفساد، بدعوى الابتلاء والامتحان. هكذا اجتمع في البعض: دهاء راسبوتين، انتهازية ميكافيللي، جشع شايلوك، ليتجاوزوا حتى طغيان الحجاج في القسوة. لكن، ورغم كل هذا، يبقى الحلاج – الشهيد والشاهد والثائر الزاهد – إيقونة الزهد، وعنوان اليقين، في مواجهة خصومه، الحاضرين دوماً في كل الأزمنة والأمكنة. ويبقى الحجاج حاضراً بطغيانه ومقاصله، ويبقى راسبوتين يواصل حياكة مؤامراته في دهاليز القصور، ومخادع أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، ويبقى شايلوك يقتطع من لحوم البشر ثمن الهواء، والهوية، والانتماء. وعلى محراب المساجد والأديرة والكنائس، يرابط كهنة الأديان، حملة مباخر السلاطين، يتحدثون بجلافة أن "المؤمن ممتحن"، وأن الجائع سيدخل الجنة، وعلى الفقير أن يرضى بما هو فيه، لأن الله هو مقسّم الأرزاق! ويا له من كفر مقنّع... فالله حرم الظلم على نفسه، فكيف يسمح به لعباده؟! بل توعد الظالمين بجهنم، والفاسدين ليسوا إلا عصابة منهم! تنويه: الموضوع مستوحى من زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، دون الغوص في التفاصيل. صنعاء، 15 مايو 2025م