6/1/2025 9:28:19 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
صلاح حيدره
العقل العربي بين الغلبة والتنوير: حين يُختطف الوعي في بلاط التأريخ. كتب/ صلاح حيدرة
5/22/2025
كتب/ صلاح حيدرة في زحام التحولات الكبرى التي شهدها العالم، ظل العقل العربي يرزح تحت ثقل تراث طويل من التداخل بين الدين والسياسة، حيث شكّل هذا التزاوج غير المتكافئ المصفاة التي تُصَبّ فيها كل مدخلات الوعي الجمعي. ونتيجة لذلك، تحوّلت قيم الصراع والغلبة—بالحيلة تارة وبالعنف تارات أخرى—إلى آليات شبه مشروعة لإدارة شؤون الدولة والمجتمع وحتى الأسرة. لطالما حاول مفكرون عرب كبار مساءلة هذا الواقع وتحليله، وعلى رأسهم محمد عابد الجابري، الذي ركّز في مشروعه "نقد العقل العربي" على أن العقل العربي تشكّل في بيئة سلطوية دينية-سياسية، أعادت إنتاج منطق الغلبة وأقصت قيم الحوار والعقلانية. وفي السياق ذاته، حذر عبد الله العروي من الاستلاب الثقافي الذي يعيق الانخراط في الحداثة، مشيرًا إلى أن تاريخنا ليس فقط ما ورثناه، بل أيضًا ما نُصرّ على إعادة إنتاجه بشكل انتقائي يخدم السلطة. لا يمكننا إنكار أن لحظات التنوير في تاريخنا كانت موجودة، لكنها قليلة وعابرة، وغالبًا ما تم سحقها أو احتواؤها لتخدم الأجندة ذاتها: أجندة الهيمنة. كل مشروع فكرٍ حرّ، أو إصلاحٍ اجتماعي، أو محاولة للتحرر من سلطة الماضي، غالبًا ما يُحاصر ويُشوه، أو يُعاد تدويره ضمن أطر السيطرة. يرتبط هذا الإشكال بطبيعة التاريخ الذي يُدرّس ويُحتفى به؛ تاريخٌ يمجّد الحروب والانتصارات والانقلابات، ويُهمّش تجارب البناء، والتسامح، والسلام. وهكذا يتشرّب الطالب العربي منذ المراحل الأولى أن المجد لا يُصنع إلا بالصراع، وأن الشرعية تُنتزع لا تُبنى. وهو ما أشار إليه طه عبد الرحمن، الذي بيّن في كتاباته كيف أن تقليص الدين إلى أداة للسلطة يفقده جوهره الأخلاقي، ويدفع باتجاه خطاب ديني يغذّي منطق التسلط لا التحرر. وحين تُصبح كل وسيلة مشروعة إذا كانت تخدم غاية "الهيمنة"، حتى لو ناقضت تعاليم الدين أو دهست الأخلاق، فإن الفساد والقمع ليسا استثناءً، بل نتيجة طبيعية. ليست الأزمة فقط في السياسات، بل في المنظومة المعرفية التي غذّت تلك السياسات ورسّختها في لاوعي المجتمع. إن المعركة الحقيقية ليست بين الشرق والغرب، أو بين الدين والحداثة، بل بين وعي مأزوم يقدّس الغلبة ويفتش عنها بأي ثمن، ووعي بديل يؤمن بأن الكرامة والسلام والتعددية هي أدوات البناء لا الهدم. وهذا ما نادت به أقلام حرّة، من جورج طرابيشي إلى نصر حامد أبو زيد، حين سعوا لتفكيك البنية العميقة للعقل المأزوم، وفتحوا أبوابًا نحو قراءة جديدة للتراث، تستند إلى الحرية لا الخضوع. وحين نقوم بتشرح ظاهرة الفساد والظلم والقمع المتأصلة في مجتمعاتنا والتي تفضي إلى التخلف والفشل في إدارة الدول والمجمتع نجد أنها نتيجة طبيعة للمدخلات المعرفية التي تكون غالبية قاعدة بيانات العقل العربي. وتحكم سلوكياته من هرم السلطة إلى الجمهور..فيما يتعرض المتنورين إلى القمع والتغيب القسري نهاكم عن المهددات المجتمعية والفردية التي ترفض أي فكرة تنقض تلك البنية العقلية التي تفرض مسار الصراع عبر الأجيال.