7/7/2025 7:51:03 AM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
طه العامري
التعليم الخاص ودوره في تدمير القيم الوطنية..!
7/5/2025
التعليم الخاص ودوره في تدمير القيم الوطنية..! بقلم: طه العامري البداية من النهاية: حين يتحول التعليم إلى وسيلة قهر! سأبدأ من حيث يفترض أن أنتهي في هذه السردية المؤلمة عن التعليم الخاص والمدارس الخاصة، لا كمؤسسة تربوية، بل كأداة لكسر الكرامة وهدم القيم. لن أنسى أبدًا مشهد "طفلتي" وهي تُرفض من قبل مديرة المدرسة التي لم تعرف غيرها منذ بدأت دراستها. تلك المدرسة التي قضت فيها خمس سنوات من عمرها، وأصبحت جزءًا من عالمها، وموطن حروفها الأولى. خمس سنوات من النزيف المالي.. لأجل ماذا؟ قبل خمس سنوات، شاءت الظروف أن أترك منزلي السابق تلبيةً لجشع المؤجرين، فوجدت نفسي أمام مدرسة خاصة لا تبعد سوى بضعة أمتار عن المنزل الجديد. ونظرًا لحالة القلق العام من الانفلات الأمني والظواهر السلبية، وجدت نفسي مضطرًا لتسجيل بناتي الثلاث ومعهم شقيقهم في هذه المدرسة، رغم ضيق الحال. سنوياً كنت أتحمل نفقات تصل إلى نصف مليون ريال، حارمتًا نفسي وأطفالي من ضروريات الحياة، أتنقل بين الأصدقاء بحثًا عن قرض، أو سلفة، فقط لأضمن استمرار أولادي في التعليم. "لول"... ابنة المدرسة التي أنكرتها كانت "لول" – آخر العنقود – في السادسة من عمرها حين بدأت رحلتها مع هذه المدرسة. ترعرعت داخل جدرانها، ربطتها علاقة ألفة بزميلاتها ومدرّساتها، حتى أصبحت المدرسة جزءًا من ذاكرتها وهويتها. لكن الأزمة الاقتصادية التي ضربتني العام الماضي أفقدتني القدرة على دفع ما تبقى من رسوم الدراسة، فصمتُّ وتجاهلت حتى سؤال المدرسة عن نتائج أولادي من شدة القلق. صدمة العودة: المدرسة تغلق أبوابها في وجه طفلة! صباح 5 يوليو، ذهبت إلى المدرسة مع "لول" لتسجيلها بعد أسبوعين من بدء العام الدراسي، حاملاً معي ما يكفي لسداد قسطين فقط، ومؤجلاً تسجيل بقية إخوتها. لكن مديرة المدرسة استقبلتني كأنني أطلب العفو عن جريمة، لا تسجيل طفلة بريئة. دخلت "لول" فرِحة، تلهث نحو مدرّساتها وزميلاتها، لكن فرحتها لم تدم. فرد فعل المديرة كان قاسيًا وباردًا، لم تكلف نفسها حتى أن تطلب من الطفلة الخروج للتفاهم معي بعيدًا عن أنظارها. وفي لحظة، غابت ابتسامتها، وامتلأت عيناها بالدموع. وأنا... شعرت بقهرٍ لم أشعر به طوال حياتي. الكرامة المهدورة... والأثر الذي لا يُمحى خرجنا من المدرسة، ولم يكن وجعي يوازي وجع طفلتي، التي لم تعرف غير هذه المدرسة منذ أن عرفت الأبجدية. كيف ستنسى موقفًا كهذا؟ وكيف سينسى غيرها من الطلاب الذين عاشوا تجارب مشابهة؟ ما زرعته هذه المدرسة اليوم في قلب "لول" ليس حب المعرفة، بل عُقدة اسمها المال: "إن لم تملك المال، فأنت لا تستحق حتى كُرسيًّا في الصف." المدرسة التي تُعلّمك أن المال هو كل شيء! النتيجة الطبيعية لهذا النهج أن ينشأ جيل يرى في المال معيارًا للقيمة الإنسانية: الموظف سيرتشي. المدرس سيتاجر بالعلم. الطبيب سيقيس الضمادة بالسعر. لأن المدرسة علمته منذ الصغر أن "المال هو الوسيلة والغاية والوسيلة الوحيدة للكرامة". قضايا التعليم الخاص.. أرشيف من القهر الصامت خلال السنوات الماضية، استقبلت العديد من الشكاوى المرتبطة بالمدارس والمعاهد والجامعات الخاصة. لم أتناولها بالتفصيل في كتاباتي، لكن ما حدث لطفلتي اليوم فجّر في داخلي كل ما كنت أكتمه. لقد آن الأوان لفتح هذا الملف، والتوقف عن التعامل مع التعليم الخاص كـ"خدمة مميزة" وهو في الواقع باب من أبواب الاستغلال والتدمير النفسي والتربوي. وجه آخر للاستثمار! وما يُؤسف أكثر، أن التعليم الحكومي – الذي كان ملجأ الطبقة الفقيرة – لم يعد ملاذًا، بل أصبح هو الآخر يستثمر بالطالب، وإن اختلفت دوافعه. التعليم الخاص يبحث عن الربح. التعليم الحكومي يبحث عن الولاء والسيطرة. وفي الحالتين، الطالب ضحية، وولي الأمر ممولٌ مسحوق، والوطن هو الخاسر الأكبر. من يوقف هذا العبث؟! إذا استمر الوضع بهذا الشكل، فإننا لا نبني أجيالًا، بل نُجهّز جيلًا مشوّه القيم، غاضبًا من المجتمع، فاقدًا للثقة، وجاهزًا للانفجار في وجه كل شيء. آن الأوان لنقولها بصوت مرتفع: "التعليم لم يعد تعليمًا، بل أصبح تجارة تمزق ما تبقى من نسيجنا الأخلاقي والوطني."