7/15/2025 9:33:16 AM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
أصيل ناجي
العبث المتكرر في مسرحية "التغيير والبناء"... فلا تغيير حدث ولا بناء تحقق بقلم/ أصيل ناجي
7/10/2025
في بلدٍ أثقلته الأزمات، وتعلّقت فيه الأحلام على شماعة "المرحلة الانتقالية"، استبشر كثيرون بولادة "حكومة التغيير والبناء"، ظنًّا منهم أنها ستكون بداية مرحلة جديدة، عنوانها الكفاءة، والعمل، والبناء بدل الهدم. وقيل إنها جاءت لتفتح الأبواب المغلقة، وتضع حدًا لسنوات من الفساد والعجز والتخبط. لكنّ الواقع أثبت عكس ذلك: وجوه تتكرر، وعقليات تتجدد شكليًا، لكن السياسات باقية على حالها، كأن شيئًا لم يكن. وكالعادة، كان الواقع أكثر صدمة من الشعار، وأشد قسوة من الحلم. وعدنا إلى الأسطوانة المكررة: "نحن في ظرف استثنائي"، "التحديات جسيمة"، "الوضع لا يُحتمل"... حتى باتت هذه العبارات شماعة تُعلّق عليها كل أشكال الفشل والعجز. الحقيقة التي يدركها المواطن البسيط، ويهمس بها الشارع كل يوم، هي أن المشكلة لم تعد في "الظرف الطارئ"، بل في أزمة الثقة التي تتفاقم مع كل وعد لا يتحقق، وكل خطاب يُقال ولا يُترجم. نفس الوجوه... نفس السياسات فالتغيير الحقيقي يبدأ من العقلية قبل الكرسي، ومن الرؤية قبل التشكيلة. وما نشهده اليوم ليس إلا إعادة ترتيب للأسماء، وتبديلًا للكراسي، وتجميلًا للواجهة، دون مساس بجوهر الفساد أو عقم الإدارة. تغيّرت العناوين، وبقيت التفاصيل على حالها: وعود بلا تنفيذ، خطابات بلا مضمون، وإدارة تفتقر للكفاءة، وتغرق في الحسابات السياسية الضيقة. ومن يتأمل تشكيلة "حكومة التغيير والبناء" لا يجد فرقًا كبيرًا عن الحكومات السابقة، سوى في الأسماء وربما الخلفيات. فالمواقع نفسها، والأساليب نفسها، ونفس "المدرسة السياسية" التي تفضّل الصفقات على الإصلاح، والمجاملة على المواجهة، والمصالح الشخصية على المصلحة العامة. لم يكن التغيير سوى عملية تجميل للواجهة، لا جراحة حقيقية في عمق الجرح الوطني. فلا بناء بدأ، ولا تغيير تحقق... بل حتى الأزمات تفاقمت، والمعاناة تضاعفت. التغيير لا يُقاس بالشعارات التغيير ليس لافتة تُرفع في واجهة الحكومة، ولا مادة دعائية تُستهلك في وسائل الإعلام. التغيير يُقاس في حياة الناس: في رغيف المواطن ولقمة عيشه، في الرواتب التي تُصرف في موعدها، في الطرقات التي تُصلح، في الدواء الذي يُوفَّر، وفي الشعور بأنّ هناك دولة تحمي وتخدم، لا سلطة تبرر وتبرطع. فما التغيير الذي تحقق؟ وهل البناء كان فعلًا لا شعارًا؟ الحقيقة أن التغييرات كانت شكلية... والواقع باقٍ كما هو. فمنذ ولادة الحكومة، طُبِلت طبول الفخر بـ"التغيير المرتقب": وجوه جديدة، توافق سياسي، ووعود بمكافحة الفساد وتحسين معيشة المواطن. لكن ما حدث كان أقرب إلى "تدوير للمناصب" منه إلى تغيير حقيقي. تغيّرت الوجوه، لكن بقيت السياسات والعقليات ذاتها، كجدرانٍ مهترئة يُعاد طلاءُها دون إصلاح الأساس. لم يرَ المواطن من "التغيير" سوى ارتفاع الأسعار، وتردّي الخدمات، وازدهار خطاب الوعود المجوّفة في الإعلام الرسمي. وأصبح "الظرف الطارئ" ذريعة دائمة منذ سنوات؛ تُستدعى عند كل إخفاق، لتبرير الفشل. لكن الحقيقة المؤلمة أن هذا "الظرف الطارئ" لم يعد استثناءً... بل أصبح هو القاعدة. ولو كانت الأزمة ظرفية فعلًا، لتجاوزناها بخطط جادّة وإدارة واعية. أما أن يستمر الحال دون تغيير، فتلك إشارة إلى خلل في النظام، لا في الظرف. المواطن لم يعد يقبل الأعذار. هو يريد حلولًا لا مبررات؛ إنجازات لا خطب؛ وواقعًا يحترم معاناته، لا يتلاعب بها. أزمة الثقة أخطر من أي أزمة أخرى حين ينتظر المواطن نتائج حقيقية، ولا يرى شيئًا، يبدأ بفقدان الثقة. وعندما يسمع نفس الكلمات من كل حكومة دون أن يلمس فارقًا في حياته، يُدرك أن المشكلة ليست في الأشخاص، بل في المنظومة ككل. وعندما يواصل المسؤولون ترديد عبارات "نحن مع المواطن"، يعيش المواطن في حالة انتظار... بصبرٍ أنهكته السنوات، في ظل واقعٍ مرير: انقطاع الخدمات، تفشي البطالة، وانعدام لقمة العيش، وارتفاع الأسعار. المواطن البسيط لا يطالب بمعجزات، بل بأبسط مقومات الحياة الكريمة، ومع ذلك يجد نفسه دائمًا في خانة "المنتظر": ينتظر الراتب، وينتظر الكهرباء، وينتظر الدواء، وينتظر الحقيقة... وينتظر التغيير الذي لا يأتي. في الختام: التغيير لا يأتي بالكلام ولا بالشعارات. التغيير الحقيقي لا يُمنح، بل يُنتزع. ولا يُصنَع بالخطابات، بل يُبنى بالقرارات الجريئة والعمل الشفاف. أما أن نستمر في إدارة الدولة بعقلية الماضي، ونتوقع نتائج جديدة، فتلك أكبر كذبة تُباع للشعوب. فالشعارات لا تصنع الأوطان. ما لم يصبح البناء مشروعًا وطنيًا، لا صفقة سياسية، فإن الحديث عن "التغيير" سيظل مرادفًا للخديعة، ومسمّى "البناء" سيبقى، في نظر الناس، أكذوبة جديدة بلباس قديم. المشكلة ليست في "الظرف الطارئ" كما يدّعون، بل في إدارة عاجزة، وثقة مفقودة، وشعب سئم الانتظار. وإن لم تفهم الحكومة أن التغيير مسؤولية لا دعاية، فإن التغيير الحقيقي لن يكون منها... بل سيكون عليها؛ فهل تنتظر الحكومة ثورة وعي... أم صفعة لا عذر بعدها؟ 10 / 9 / 2025 م