8/6/2025 1:16:30 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
رئيس التحرير : ايوب التميمي
الرئيسية
عاجل
متابعات دولية
اقتصاد
سياحة
رياضة
دراسات وأبحاث
حقوق وحريات
مقالات
تكنولوجيا
هشتاج
اجراس يوتيوب
صلاح حيدره
حين تصبح حضارتنا عبئًا على أجيال المستقبل بقلم:صلاح حيدرة
8/1/2025
في خضم ما نعدّه اليوم "منجزات حضارية"، من ناطحات سحاب ومصانع ومدن ذكية وجسور عملاقة، قد تُفتح مستقبلاً سجلات جديدة تُعيد النظر في كل ما اعتبرناه "تقدمًا". وقد يواجه العقل البشري صدمة كبرى حين تديننا أجيال الغد، لا بسبب ما لم نفعله، بل بسبب ما فعلناه ونحن نظن أننا نحسن صنعًا. لقد شيّدنا حضارتنا الحديثة على ركائز الحديد والخرسانة والتوسع الصناعي، واحتفلنا بالعلم والعقلانية كمنارات لا تخطئ. غير أن كل ذلك، في أعين من سيأتون بعدنا، قد لا يُنظر إليه إلا كفصل مظلم في مسيرة الإنسانية، فصلٌ تسبّب في تدمير ممنهج لكوكب هشّ، كان بالإمكان أن نعيش فيه بتناغم بدلاً من الهيمنة. قد تُمحى أسماءٌ نعدّها اليوم رموزًا للعبقرية من صفحات المجد، وتُستبدل بتهم تاريخية كبرى. فتُسحب الجوائز، وتُحاكم النظريات، ويُدان من قال لنا إن الطبيعة طوع أيدينا. آينشتاين، هوكينغ، وحتى كانط، قد لا يُخلَّدوا كأبطال، بل كروّاد في صناعة وهمٍ حضاري قاد البشرية إلى أزمة وجودية. المفارقة أن ما نعدّه "بنية تحتية" — من طرق ومصانع وسكك حديدية ومطارات — قد يُعدّ في المستقبل مجرد بقايا ملوثة لعصر لم يفهم حدوده. فالجبال التي هُدمت، والفراغات الجيولوجية التي خلفناها، كانت، وفق منظور مستقبلي، مساهمًا في الزلازل وثوران البراكين، وتغيّر أنماط المناخ على نحو كارثي. تخيّلوا أجيالاً ترى نمط حياتنا كحالة مرضية مزمنة: الاستهلاك المفرط، الحدود الجغرافية، الهويات القومية، والمؤسسات التي صنّفناها كدول حديثة. سيرون سلوكنا في الصناعة الغذائية والدوائية كأحد أكثر أشكال العنف تجاه الإنسان والطبيعة. ولعل الأكثر إثارة للتأمل أن تلك الأجيال قد تصل إلى أنماط عيش مختلفة كليًا: مساكن بلا إسمنت، تنقّل لا يعتمد على محروقات، تواصل بلا وسائط مادية، وزواج لا يخضع لقوالبنا الجامدة، وربما بلا زواج أصلاً. سيتجاوزون مفاهيمنا عن الزمان والمكان واللغة، ويعيدون تعريف الحياة من جديد. الحضارة، بكل فخرنا بها اليوم، قد تتحول إلى عبء تاريخي، ودليل على أننا كنا "متقدمين تقنيًا ومتخلفين وعيًا". لن تكون المشكلة في ما بنيناه، بل في كيف فكرنا حين بنيناه.