إخوان الأردن..من حماة العرش إلى جماعة مطاردة...التجربة المصرية تكرّر نفسها؟

5/9/2025 7:36:40 PM

موقع إخباري مستقل - منوع

رئيس التحرير : ايوب التميمي

28

إخوان الأردن..من حماة العرش إلى جماعة مطاردة...التجربة المصرية تكرّر نفسها؟

إخوان الأردن..من حماة العرش إلى جماعة مطاردة...التجربة المصرية تكرّر نفسها؟



أجراس- اليمن// خاص 
قراءة للمشهد السياسى 
رئيس التحرير 

لطالما مثّلت جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أبرز الفاعلين في الحياة السياسية الأردنية، لكن العلاقة المتقلبة بينهم وبين النظام الملكي تعكس هشاشة التحالفات القائمة على المصالح الآنية لا على التوافقات الاستراتيجية. ومع صدور قرار حظر الجماعة ومصادرة ممتلكاتها، تبرز الحاجة لإعادة قراءة هذه التجربة برؤية نقدية تكشف عن مكامن الخلل، ليس فقط في طريقة تعامل الدولة، بل في الأداء السياسي للجماعة ذاتها.


اليوم قرارات الدولة الأردنية بحظر جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاتها لم يكن حدثاً معزولاً، بل حلقة ضمن سلسلة ممتدة من التراجعات التي تواجهها الجماعة في أكثر من بلد عربي. فكما خرج الإخوان من الحكم في مصر بانقلاب دموي، وخسروا موقعهم في المشهد التونسي بقرارات استثنائية، يتكرر السيناريو في الأردن، حيث تنتهي الجماعة إلى العزلة والإقصاء بعد عقود من الوجود السياسي والدعوي.

لكن الفارق في الحالات الثلاث لا يتعلق فقط بنتائج الصراع، بل بطبيعة العلاقة التي نسجتها الجماعة مع الدولة والمجتمع، وقدرتها أو فشلها في قراءة اللحظة التاريخية التي تمر بها.

الأردن: ولاء طويل الأمد لا يمنح الحصانة

في الأردن، مثّلت جماعة الإخوان المسلمين حليفاً موثوقاً للنظام في لحظات فارقة، أبرزها التصدي للمد القومي في خمسينيات القرن الماضي، والوقوف إلى جانب الدولة في مواجهة الفصائل الفلسطينية المسلحة خلال أيلول الأسود. لكن هذا الولاء لم يُترجم إلى تمكين سياسي حقيقي، بل أبقى الجماعة في هامش النظام، تُستخدم حين الحاجة، وتُهمّش حين التغيير.

ورغم أن الجماعة لم تخرج على النظام، إلا أن استمرارها بنفس الأدوات والخطاب القديم جعلها غير قادرة على التفاعل مع التحولات العميقة في المجتمع والدولة، فوجدت نفسها خارج الزمن السياسي، لا لأنها ارتكبت أخطاء قاتلة، بل لأنها لم تتعلم من التحولات، ولم تجدّد نفسها فكرياً وتنظيمياً.

مصر: من القمة إلى القاع في عام واحد

أما في مصر، فقد وصلت الجماعة إلى سدة الحكم عقب ثورة 25 يناير، عبر أول انتخابات ديمقراطية حرة، لكنها سرعان ما اصطدمت بحقائق الدولة العميقة، وبمزاج شعبي متغير، وانتهت تجربتها بانقلاب 3 يوليو 2013، الذي أطاح بحكم محمد مرسي وسجن معظم قيادات الجماعة.

تجربة مصر كشفت عن أزمة عميقة في بنية التفكير السياسي للإخوان: استخفاف بالواقع، غياب للمرونة، عدم بناء تحالفات، والإصرار على خطاب ديني/أخلاقي غير قادر على إدارة دولة معقدة. ومع أن الجماعة قُمعت بعنف، فإنها أيضاً فشلت في تقديم خطاب سياسي قادر على كسب التأييد الشعبي بعد الإقصاء.


تونس: فوز بلا مشروع… وخسارة بلا مقاومة

في تونس، خاضت حركة النهضة تجربة مغايرة نسبياً. صعدت إلى الحكم بعد الثورة، وتحالفت مع قوى مدنية، وشاركت في كتابة دستور جديد، لكنها ظلت مترددة بين الهوية الدعوية والسياسية، وفشلت في تقديم نموذج اقتصادي واجتماعي يعالج الأزمة التونسية المتفاقمة.

قرار الرئيس قيس سعيّد في يوليو 2021 بتجميد البرلمان وتعليق عمل الحكومة مثّل ضربة قاضية للنهضة، التي اختارت الانسحاب الناعم وتجنّب الصدام، لكنها فقدت جمهورها تدريجياً بسبب ضعف الأداء، وغموض الموقف من القضايا الحياتية، وترددها في الحسم بين الدعوة والسياسة.

المحصلة: مشروع مأزوم لا جماعة بعينها

القاسم المشترك بين هذه التجارب الثلاث هو أن جماعات الإخوان، رغم تباين السياقات، فشلت في بناء مشروع مدني حقيقي قادر على تجسيد مطالب الناس وتحقيق التوازن بين المرجعية الإسلامية ومتطلبات الدولة الحديثة. فقد تصرفت في كل مرة كجماعة "أهلية" ذات طابع فوقي، لا كفاعل سياسي مدني يملك رؤية لإدارة الدولة وتدبير التعدد.

وفيما تختلف وسائل الإقصاء بين الحظر الإداري في الأردن، والانقلاب العسكري في مصر، والإجراءات الاستثنائية في تونس، فإن النتيجة تكاد تتطابق: انسحاب تدريجي من المشهد، وسط عجز عن النقد الذاتي، أو الانفتاح على تحولات العصر.

ربما آن الأوان لأن تعترف هذه الحركات بأن مشروعها التاريخي، على صورته التقليدية، قد استُهلك، وأن الخروج من الأزمة لا يكون بالتحدي أو العزلة، بل بإعادة التأسيس على أسس جديدة تنتمي للعصر، لا للماضي.